الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: القول المفيد على كتاب التوحيد **
الاستقساء: طلب السقيا، كالاستغفار: طلب المغفرة والاستعانة: طلب المعونة، والاستعاذة: طلب العوذ، والاستهداء: طلب الهدايا، لأن مادة استفعل في الغالب تدل على الطلب، وقد لا تدل على الطلب، بل تدل على المبالغة في الفعل، مثل: استكبر، أي: بلغ في الكبر غايته، وليس المعنى طلب الكبر، والاستسقاء بالأنواء، أي: أن تطلب منها أن تسقيك. والاستسقاء بالأنوار، أي: أن تطلب منها أن تسقيك. والاستسقاء بالأنواء ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: شرك أكبر، وله صورتان: الأولى: أن يدعو الأنوار بالسقيا، كأن يقول: يا نوء كذا ! اسقنا أو أغثنا، وما أشبه ذلك، فهذا شرك أكبر، لأنه دعا غير الله، ودعاء غير الله من الشرك الأكبر، قال تعالى: إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الدالة على النهي عن دعاء غير الله، وأنه من الشرك الأكبر. الثانية: أن ينسب حصول الأمطار إلى هذه الأنوار على أنها هي الفاعلة بنفسها دون الله ولو لم يدعها، فهذا شرك أكبر في الربوبية، والأول في العبادة، لأن الدعاء من العبادة، وهو متضمن للشرك في الربوبية، لأنه لم يدعها إلا وهو يعتقد أنها تفعل وتقضي الحاجة. القسم الثاني شرك أصغر، وهو أن يجعل هذه الأنواء سسببًا مع اعتقاده أن الله هو الخالق الفاعل، لأن كل من جعل سببًا لم يجعله الله سببًا لا بوجيه ولا بقدرة، فهو مشرك شركًا أصغر. وقال الله تعالى قوله تعالى: {وتجعلون}. أي: تصيرون، وهى تنصب مفعولين: الأول: {رزق}، والثاني {أن}، وما دخلت عليه في تأويل مصدر مفعول ثان، والتقدير: وتجعلون رزقكم كونكم تكذبون أو تكذيبكم. والمعني: تكذبون أنه من عند الله، حيث تضيفون حصوله إلى غيره. قوله: {رزقكم}. الرزق هو العطاء، والمراد به هنا: ما هو أعم من المطر، فيشمل معنيين: الأول: أن المراد به رزق العلم، لأن الله قال: الثاني: أن المراد بالرزق المطر، وقد روي في ذلك حديث عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لكنه ضعيف ?1?، إلا أنه صح عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية: أن المراد بالرزق المطر، وأن التكذيب به نسبته إلى الأنواء?2?، وعليه يكون ما ساق المؤلف الآية من أجله مناسبًا للباب تمامًا. والقاعدة في التفسير أن الآية إذا كانت تحتمل المعنيين جميعًا بدون منافاة تحمل عليهما جميعًا، وإن حصل بينهما منافاة طلب المرجح. ومعنى الآية: أن الله يوبخ هؤلاء الذين يجعلون شكر الرزق التكذيب والاستكبار والبعد، لأن شكر الرزق يكون بالتصديق والقبول والعمل بطاعة المنعم، والفطرة كذلك لا تقبل أن تكفر بمن ينعم عليها، فالفطرة والعقل والشرع كل منها يوجب أن تشكر من ينعم عليك، سواء قلنا: المراد بالرزق المطر الذي به حياة الأرض، أو قلنا: إن به القرآن الذي به حياة القلوب، فإن هذا من أعظم الرزق، فكيف يليق بالإنسان أن يقابل هذه النعمة بالتكذيب؟! واعلم أن التكذيب نوعان: أحدهما: التكذيب بلسان المقال، بأن يقول هذا كذب، أو المطر من النوء ونحو ذلك. والثاني: التكذيب بلسان الحال، بأن يعظم الأنواء والنجوم معتقدًا أنها السبب، ولهذا وعظ عمر بن عبد العزيز الناس يومًا، فقال: " أيها الناس ! إن كنتم مصدقين، فأنتم حمقى، وإن كنتم مكذبين، فأنتم هلكى ". وهذا صحيح، فالذي يصدق ولا يعمل أحمق، والمكذب هالك، فكل إنسان عاص نقول له الآن: أنت بين أمرين: إما أنك مصدق بما رتب على هذه المعصية، أو مكذب، فإن كنت مصدقًا، فأنت أحمق، كيف لا تخاف فتستقيم؟! وإن كنت غير مصدق، فالبلاء أكبر، فأنت هالك كافر. ***
|